سورة المرسلات - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المرسلات)


        


{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بقدرتِنا على دلكَ أو على الإعادةِ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً} الكِفاتُ اسمُ مَا يكْفِتُ أيْ يضمُّ ويجمعُ من كفتَ الشيءَ إذا ضمَّه وجمعَهُ كالضِّمامِ والجِماعِ لما يضمُّ ويجمعُ أي ألم نجعلْها كِفاتاً تكفتُ {أَحْيَاء} كثيرةً على ظهرها {وأمواتا} غيرَ محصورةٍ في بطنِها وقيلَ هُو مصدرٌ نُعِتَ به للمبالغةِ، وقيلَ جمعُ كافتٍ كصائمٍ وصيامٍ، أو كِفت وهو الوعاءُ أجرى على الأرض باعتبار بقاعها، وقيل: تنكيرُ أحياءً وأمواتاً لأنَّ أحياءَ الإنسِ وأمواتَهم بعضُ الأحياءِ والأمواتِ، وقيلَ: انتصابُهما على الحاليةِ من محذوفٍ أي كفاتاً تكفتكُم أحياءٌ وأمواتاً {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ} أي ثوابتَ {شامخات} طوالاً شواهقَ، ووصفُ جمعِ المذكِر بجمعِ المؤنثِ في غيرِ العقلاءِ مُطَّردٌ كداجنٍ ودواجنٍ وأشهرٌ معلوماتٌ وتنكيرُها للتفخيمِ أو للإشعارِ بأنَّ فيها ما لم يُعرفْ {وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً} بأنْ خلقنَا فيها أنهاراً ومنابعَ.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بأمثالِ هذه النعمِ العظيمةِ {انطلقوا} أي يقالُ لهم يومئذٍ للتوبيخِ وللتقريعِ انطلقُوا {إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} في الدُّنيا من العذابِ {انطلقوا} خُصوصاً {إلى ظِلّ} أي ظِل دُخانِ جهنَّمَ، كقولِه تعالَى: {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} وقرئ: {انطَلقُوا} على لفظِ الماضِي إخباراً بعدَ الأمرِ عن عملِهم بموجبِ لاضطرارِهم إليه طوعاً أو كرهاً. {ذِى ثلاث شُعَبٍ} يتشعبُ لعِظمه ثلاثَ شُعبٍ كَما هُو شأنُ الدُّخانِ العظيمِ، تراهُ يتفرقُ ذوائبَ وقيلَ: يخرجُ لسانٌ من النار فيحيطُ بالكفارِ كالسُّرادقِ ويتشعبُ من دُخَانِها ثلاثُ شعبٍ فتظلهُم حتى يُفرغَ من حسابِهم والمؤمنونَ في ظلَ العرشِ، قيلَ: خُصوصيةُ الثلاثِ إما لأنَّ حجابَ النفسِ عن أنوارِ القدسِ الحسُّ والخيالُ والوهمُ أو لأنَّ المؤدِّي إلى هذا العذابِ هوا القوةُ الوهميةُ الشيطانيةُ الحَّالةُ في الدماغِ والقوةُ الغضبيةُ السبعيةُ التي عن يمينِ القلبِ والقوةُ الشهويةُ البهيميةُ التي عن يسارِه ولذلكَ قيلَ: تقفُ شعبةٌ فوقَ الكافرِ وشعبةٌ عن يمينِه وشعبةٌ عن يسارِه.


{لاَّ ظَلِيلٍ} تهكمٌ بهم أُو ردٌ أوهمَه لفظُ الظلِّ. {وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} أي غيرُ مغنٍ لهم من حرِّ اللهبِ شيئاً {إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر} أي كلُّ شررةٍ كالقصرِ من القصورِ في عِظَمِها وقيلَ: هو الغليظُ من الشجر، الواحدةُ قصرةٌ نحو جَمْرٍ وجمرةٍ، وقرئ: {كالقَصَرِ} بفتحتينِ وهي أعناقُ الإبلِ أو أعناقُ النخلِ نحو شجرةٍ وشجرٍ، وقرئ: {كالقُصُر} بمعنى القصور كرهن ورهُن وقرئ: {كالقصر} جمع قصرة {كَأَنَّهُ جمالة} قيلَ: هو جمعُ جملٍ والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ يقالُ جملٌ وجمالٌ وجمالةٌ وقيلَ: اسمُ جمعٍ كالحجارةِ {صُفْرٌ} فإنَّ الشرارَ لما فيهِ من الناريةِ يكونُ أصفرَ وقيلَ: سودٌ لأن سوادَ الإبلِ يضربُ إلى الصفرةِ والأولُ تشبيهٌ في العظمِ، وهذا في اللونِ والكثرةِ والتتابعِ والاختلاطِ والحركةِ، وقرئ: {جمالاتٌ} جمعُ جمالٍ أو جمالةٍ، وقرئ: {جَمالاتٌ} جمعُ جَمالةٍ وقد قرئ بها وهي الحبلُ العظيمُ من حبال السفنِ وقلوسِ الجسورِ والتشبيهُ في امتدادِه والتفافهِ.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ * هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} إشارةٌ إلى وقتِ دخولِهم النارَ أيْ هذا يومُ لا ينطقونَ فيه بشىءٍ لما أنَّ السؤالَ والجوابَ والحسابَ قدْ انقضتْ قبلَ ذلكَ ويومُ القيامةِ طويلٌ له مواطنُ ومواقيتُ ينطقونَ في وقتٍ دُونَ وقتٍ فعبَّر عن وقت بيومُ أو لا ينطقونَ بشيءٍ ينفعُهم فإن ذلكَ كلاَ نطقٍ وقرئ بنصبِ اليومِ أيْ هَذا الذي فُصِّلَ واقعٌ يومَ لا ينطِقون {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} عطفٌ على يُؤذنُ مُنتظمٌ في سلكِ النفي أيْ لا يكونُ لهم إذنٌ واعتذارٌ متعقبٌ له من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن كما لو نصب {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ * هذا يَوْمُ الفصل} بين الحقِّ والباطلِ والمحقِّ والمبطلِ {جمعناكم} خطابٌ لأمة محمدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. {والأولين} من الأممِ وهذا تقريرٌ وبيانٌ للفصل.


{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} فإن جميعَ من كنتُم تقلدونهم وتقتدونَ بهم حاضرونَ وهذا تقريعٌ لهم على كيدِهم للمؤمنينَ في الدُّنيا وإظهارٌ لعجزِهم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيثُ ظهرَ أنْ لا حيلةَ لهم في الخلاصِ من العذابِ.
{إِنَّ المتقين} من الكفرِ والتكذيبِ {فِى ظلال وَعُيُونٍ * وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي مستقرونَ في فنونِ الترفِه وأنواعِ التنعمِ {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من ضمير المتقينَ في الخبر أي مقولاً لهم كلُوا واشربُوا هنيئاً بما كنتُم تعملونَهُ في الدُّنيا من الأعمال الصالحةِ {إِنَّا كَذَلِكَ} الجزاءِ العظيمِ {نَجْزِى المحسنين} أيْ في عقائدِهم وأعمالِهم لا جزاءً أَدْنَى منْهُ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيثُ نالَ أعداؤُهم هذا الثوابَ الجزيلَ وهُم بقُوا في العذاب المخلَّدِ الوبيلِ {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من المكذبينَ أي الويلُ ثابتٌ لهم مقولاً لهم ذلكَ تذكيراً لهم بحالِهم في الدُّنيا وبما جنَوا على أنفسِهم من إيثارِ المتاعِ الفانِي عن قريبٍ على النعيمِ الخالدِ وعللَ وذلكَ بإجرامِهم دلالةً على أنَّ كلَّ مجرمٍ مآلهُ هَذا، وقيلَ: هو كلامٌ متسأنفٌ خُوطبَ به المكذبونَ في الدُّنيا بعدَ بيان مآلِ جالِهم وقررَ ذلكَ بقوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} لزيادة التوبيخِ والتقريعِ {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا} أي أطيعُوا الله واخشعُوا وتواضعُوا له بقبولِ وحيهِ واتباعِ دينهِ وارفضُوا هذا الاستكبارَ والنخوةَ {لاَ يَرْكَعُونَ} لا يخشعُون ولا يقبلُون ذلكَ ويصرونَ على ما هُم عليهِ من الاستكبارِ، وقيلَ: إذَا أُمروا بالصَّلاةِ أو الركوعِ لا يفعلونَ إذْ رُويَ أنه نزلَ حينَ أُمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثقيفاً بالصَّلاةِ فقالُوا لا نَجبى فإنَّها مسبَّةً علينا فقالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا خيرَ في دينٍ ليس فيه ركوعٌ ولا سجودٌ» وقيلَ: هُو يومَ القيامةِ حينَ يُدعونَ إلى السجودِ فَلا يستطيعونَ.

1 | 2 | 3